في مثل هذا اليوم التاسع من شهر تشرين الأول من عام 2019 وبتمام الساعة الرابعة وعشر دقائق عصراً بدأت الدولة التركية بقصف مدينة سري كانيى ( رأس العين ) من الجو والبر بالتوازي مع الفصائل المسلحة التابعة لها , وقد احتلت بذلك المدينة وريفها , ونفذت في سبيل ذلك استخدام كافة أنواع القوة المفرطة الممثلة بالحديد والنار بما في ذلك الذخيرة المحرمة دولياً , وفي اعتقادنا لم يحصل هذا الاحتلال الذي له اسم نبع السلام إلا بغياب الإرادة الدولية المتمثل بالصمت على احتلال جرابلس عام 2016 ثم عفرين عام 2018 , لأن الاحتلال جريمة دولية , ويعاقب عليها القانون الدولي وخاصةً نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية , ولم يكن هذا الصمت الدولي مجرد حالة عفوية وانتقالية , وإنما شراكة حقيقية مع المحتل , لأن المجتمع الدولي الرسمي ليس عاجزاً عن التصدي للعدوان والاحتلال وارتكاب الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والإبادة الجماعية والتغيير الديمغرافي وتدمير الأعيان الثقافية وسرقة الكنوز البشرية وتهديد السلم والأمن الدوليين , لأن منظمات المجتمع الدولي الرسمي ومؤسساته المركزية والمنتشرة على الكرة الأرضية , بكافة مهامها وعناوينها وأسمائها المدنية منها والعسكرية قادرة على أن تبادر من ذاتها أو بناءً على نداء الشعوب إلى قطع الطريق على أية نية بالعدوان والاحتلال واستخدام الأسلحة الكيمائية المحرمة دولياً وأن تبادر إلى ممارسة دورها التأديبي والقضائي عند ارتكاب أية جريمة دولية انتهاكاً للإدارة الدولية الرسمية .
لقد ارتكبت الدولة التركية باحتلال ( سري كانيى /رأس العين/ – كري سبي /تل أبيض/ ) ليس جريمة الاحتلال كجريمة دولية وحسب إنما جرائم العدوان وجرائم ضد الإنسانية والتغيير الديمغرافي وهي معاقب عليها بموجب القانون الدولي , وتستدعي الملاحقة بحق كل المحرضين والشركاء والمتدخلين والفاعلين , فضلاً عن التدخل الأممي لإزالة الاحتلال وكل ما نجم وينجم وخاصةً الإرهاب المنظم المتمثل بداعش .
وهنا وفي الوقت الذي يدلى فيه هذا البيان , لا يسعنا إلا أن نلفت عناية منظمة الأمم المتحدة إلى الالتفات لمسؤولياتها إزاء أهداف ومبادئ الأمم المتحدة المنصوص عليها في المادتين الأولى والثانية من الميثاق الأممي , وإلا فإنها ستخسر ثقة الشعوب العصامية التي تعتمد على إدارة أفرادها في التصدي للعدوان والاحتلال وكل أشكال الإرهاب , ولا يخفى على أحد في العالم بأن شعوب شمال وشرق سوريا ما هي إلا نموذج في هذا الصدد , لأنها هزمت الإرهاب المتمثل في داعش في آخر حصن له في بلدة باغوز في 23 آذار 2019 وعلى ما يبدو قد جاء الاحتلال التركي في 9/10/2019 كرد فعل على هذا الانتصار .
ونحن في منظمة حقوق الإنسان في الجزيرة وبعد مرور ثلاث سنوات على بدء عملية نبع السلام واحتلال أجزاء جديدة من الأراضي السورية في سري كانيى وكري سبي وفي ظل التهديد المستمر باجتياح جديد واحتلال المزيد من الأراضي السورية وبالتالي ارتكاب المزيد من الجرائم بحق المدنيين في سياسة ممنهجة رأينا نتائجها في سري كانيى وكري سبي وقبلها عفرين – جرابلس – إعزاز – والباب وكذلك تأكيد على ضرورة الالتزام بالقانون الدولي الإنساني ولوضع حد للانتهاكات في مجال حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني المرتكبة فإننا نتوجه إلى الأمم المتحدة وإلى أعضاء مجلس الأمن الدائمين وإلى جميع الهيئات والمؤسسات الدولية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان من أجل :
- ممارسة كافة الضغوط الجدية والفعالة على الحكومة التركية من أجل إيقاف عدوانها المستمر على الشمال السوري وخاصةً مناطق شمال وشرق سوريا .
- الانسحاب الفوري وغير المشروط للقوات التركية والفصائل المسلحة التابعة لها والمعروفة باسم الجيش الوطني السوري من كافة الأراضي السورية التي احتلتها .
- الضغط على الحكومة التركية من أجل إيقاف التهديدات المستمرة باجتياح جديد للمزيد من الأراضي السورية وإيقاف عدوانها المستمر والمتمثل باستخدام الطائرات المسيرة والطيران الحربي ونيران المدافع والقذائف والفصائل المسلحة السورية المتعاون معهم واستهداف المدنيين والأعيان المدنية وإيقاف النهب والاستيلاء على الممتلكات العامة والخاصة.
- بيان مصير المختطفين والمعتقلين لدى القوات التركية والفصائل المسلحة وإطلاق سراحهم جميعاً دون قيد أو شرط وإعادة كافة المواطنين السوريين الذين تم نقلهم إلى داخل الأراضي التركية من مدنيين وعسكريين والذين تم محاكمتهم بأحكام تصل إلى الحكم المؤبد .
- تشكيل لجنة تحقيق قضائية دولية ومستقلة تحت إشراف الأمم المتحدة للكشف عن كافة الانتهاكات والجرائم المنتهكة منذ بدء العدوان التركي وحتى الآن ومحاسبة المسؤولين الذين تسببوا بتلك الجرائم وإحالتهم إلى المحاكم الدولية لمحاسبتهم على الجرائم المرتكبة .
- دعوة المنظمات الحقوقية والمدنية السورية في المناطق المحتلة وضحايا العدوان كون هذه الانتهاكات ترقى لمستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والمطالبة بإحالة ملفات مرتكبيها للمحاكم الجنائية الدولية والتعاون مع كافة شعوب المنطقة من أجل إيقاف مخاطر السياسة التركية الممنهجة في التهجير القسري للسكان الأصليين والوقوف في وجه جميع المساعي لإحداث تغيير ديمغرافي في المنطقة والتي تمارسها الدولة التركية تحقيقاً لمصالحها العرقية العنصرية الهادفة إلى ضرب كل أسس السلم الأهلي في البلاد من خلال مشروعها الاستيطاني الذي تسعى إلى تشريعه تحت مسمى عودة اللاجئين .
9/10/2022 منظمة حقوق الإنسان في الجزيرة